الحواجز لا تكسر العزيمة: القصة الملهمة لسيسماندا جوزيف
الحواجز لا تكسر العزيمة: القصة الملهمة لسيسماندا جوزيف
لو تمشي بهدوء في زوايا التجارة المزدحمة في كانسانغا، قبل ما اليوم يعلى بصوت الزحمة والناس، هتلاحظ راجل قاعد ساكت جنب صندوق خشب مليان أدوات. إيديه شغالة تلمّع، وتخيّط، وتدق؛ بيرجّع الحياة لأحذية ناس كتير كانوا هيرموها. اسمه سيسماندا جوزيف، صانع أحذية قدرته على التحمل بتحكي قصة أكبر بكتير من شغله على الرصيف. لأي حد يوقف يسمع، حياة جوزيف بتفكّرنا إن الحواجز عمرها ما تكسر العزيمة.
طفولة جوزيف كانت مليانة أحلام تخلي قلب الولد الصغير يدق بسرعة. كان بيحب الكورة بكل جزء من روحه. كان بيلعب حافي في الساحات الترابية مع أصحابه، يجري ويضحك كإن الدنيا ملكه. وفي الأيام دي، لما كان يشوط الكورة للسماء، كان مؤمن إنه يومًا ما هيبقى لاعب عالمي. كان بيتخيل أضواء الملاعب، وهتاف الجمهور، وحياة مليانة شغف وانتصار.
بس الحياة، زي ما بتعمل كتير، كان ليها خطة تانية.
في يوم، وهو لسه صغير، جوزيف اتعرض لحادث غيّر كل اللي يعرفه عن مستقبله. تفاصيل اللحظة دي موجودة جوا ذاكرته، بس تأثيرها شكّل حياته كلها. الحادث خلاه عاجز جسديًا، مش قادر يمشي أو يجري زي زمان. حلم الكورة، اللي كان منور وقوي، ابتدى يخفّ لحد ما اختفى. ولولد صغير عنده أحلام كبيرة، ده كان كإن الدنيا قفلت في وشّه.
رجوعه للمدرسة بعد الحادث كان من أوائل اختبارات القوة في حياته. اللي كان صعب مش الدراسة—لكن قسوة الأطفال. الأطفال ساعات بيكونوا قاسيين من غير ما يعرفوا إنهم بيأذوا. جوزيف اتعرض للسخرية، الهمس، والضحك عليه عشان ما بقاش يتحرك زيهم. إعاقته بقت أول حاجة الناس تشوفها، وأول حاجة يتكلموا عنها، وأول معيار يقيسوه بيه. كان حاسس إنه غريب، أصغر، وموجوع من التغيير اللي حصل له غصب عنه.
لكن حتى في اللحظات دي، جوزيف اكتشف جواه حاجة ما كانش يعرفها: نار هادية وعنيدة مش راضية تطفي.
فضل يروح المدرسة، ويفضل يقرأ، ويفضل مؤمن إن حياته فيها أكتر من القيود اللي قدّامه. ولما ناس كتير توقعت إنه يستسلم، هو اختار يكمل.
وبعد سنين، لما دخل الجامعة، التحديات بقت أصعب. بعض القاعات كانت فوق، والطلوع كان مرهق ومتعب. كل خطوة كانت أتقل من اللي قبلها، وكل طلعة كانت تفكره بأحلامه اللي راحت. ساعات كان بيتأخر، وساعات كان بيغيب لما الألم يزيد، لكنه برضه ما استسلمش. كان مكمل بعزيمة، رافض يخلي إعاقته تحدد مستقبله العلمي.
بعد التخرج، دخل جوزيف الدنيا بأمل؛ أمل نضيف وصادق. عارف إن الحياة مش سهلة، لكنه مؤمن إن التعليم هيفتح له أبواب. حضّر الـCV، لمّع جزمته على قد ما يقدر، وابتدى يخبط على أبواب المكاتب واحد واحد. كل مكان يستقبله بابتسامة. كلهم يقولوله “هنرجعلك”. ومحدش رجع.
الأيام بقت شهور، والشهور بقت سنين من طلبات من غير رد ووعود فاضية. جوزيف ابتدى يفهم إن العالم بيشوف إعاقته قبل قدرته. الرفض كان موجع. خلاه يشك في نفسه. لكن حتى وقتها ما استسلمش للمرارة. قرر يفكر: إيه اللي يقدر يعمله بإيديه؟ بعقله؟ بقوته؟
في يوم، بعد شهور من الإحباط، قرر يعمل لنفسه فرصة. فتح نقطة صغيرة لتصليح الأحذية على جنب الطريق، واستلف شوية أدوات بسيطة. ماكانش شغل فخم. ماكانش حلمه القديم. لكنه كان شغل شريف، محترم، وقدر يبني عليه حياته.
وفي المكان البسيط ده، الحياة فاجئته بحاجة عظيمة.
في يوم، وهو شغال على حذاء زبون، قربت منه ست طيبة الروح، دافئة الكلام، مليانة حنية. الست دي بقت حب حياته. ما شافتوش كمعاق. ما شافتش حدود. شافت راجل مكافح، قلبه كبير. صداقتهم بقت حب، وبعدها بنوا حياة فيها ضحك، شراكة، وأمل. بقت سند ليه، وتشجيع، وبعدين أم لخمسة أطفال جمال.
من خلال شغله، قدر جوزيف يربي أسرته بكرامة. يوم ورا يوم، قرش ورا قرش، كان بيأكل عياله، يلبسهم، ويخليهم يكملوا تعليم. وبمرور السنين، قدر يبني لهم بيت صغير، مش رمز للثروة، لكن شاهد على صبره وإصراره.
لكن الحياة لسه فيها صعوبات.
مصاريف المدارس معاناة مستمرة. ومع خمسة أطفال في مراحل مختلفة، الحمل تقيل. ساعات الفلوس تتأخر، ساعات يضطر يفاوض إدارة المدرسة، وساعات يقعد ساكت يفكر: إزاي هيمد دخله كفاية علشان يحافظ على أحلام ولاده؟ ومع ذلك، جوزيف عمره ما اشتكى. بيصحى كل يوم بهدف: أولاده محتاجينه.
هو بيتمنى إن يوم من الأيام يلاقي رعاة أو ناس خير تساعد في تعليم أولاده، وتديهم فرصة هو ماعرفش ياخدها. بس لحد اليوم ده، هو شغال بإيديه—من الفجر للمغرب—بيعمل اللي بيعرفه كويس: يصلّح الأحذية ويصلّح الأمل.
قوة قصة جوزيف مش في اللي عدّى بيه، لكن في إزاي عدّى بيه. اتعرض لسخرية، صعوبات جسمانية، رفض وظيفي، وضغط مادي. لكن روحه ما انكسرتش أبداً.
جوزيف بقى رمز للقوة في عالم ساعات بيقلل من قدر أصحاب الهمم. حياته بتعلمنا إن الإعاقة مش ضعف؛ وإن قيمة الإنسان مش بجسمه، لكن بقوة شخصيته، وإرادته، وقلبه، وقدرته يقوم كل مرة يقع فيها.
كل يوم في كانسانغا، وهو منحني يصلّح حذاء مبلي، مش بس بيربط قطع الجلد—ده بيربط كمان مفاهيم المجتمع اللي اتقطعت عن الإعاقة. كل خبطة مطرقة بتقول: الحواجز ما تكسرش العزيمة. وكل صيانة بيكمّلها بتثبت إن الإعاقة ما تمنعش الحلم، ما تكسرش روح المكافح، وما توقفش راجل اختار يفضل واقف مهما الحياة حاولت توقعه.
حياة جوزيف قصة شجاعة هادية، مش صاخبة. قصة تلهم كل اللي يعرفوه. قصة بتقول إن القوة مش في العضلات ولا في الجسد، لكن في عمق الروح.
وفي قلب كانسانغا، قصته مكملة—حذاء وراء التاني.
كتبه يوليوس أوبوث، مستشار التسويق السياحي لشركة Traveossa
#كانسانغا #كمبالا #مدينة_كمبالا #أوغندا #زوروا_أوغندا #اكتشفوا_كمبالا #شرق_أفريقيا #قصص_شرق_أفريقيا #حياة_كمبالا #ادعم_المحلي #كمبالا_الصامدة #شوارع_كانسانغا